تبدو مقاطع فيديو الهبوط الأول على القمر برفقة رواد الفضاء وهم يقفزون على سطح القمر ممتعةً بشكل كبير، ومع ذلك فإن القفز على سطح القمر يمكن أن يكون مفيدًا لعضلات وعظام رواد الفضاء وللجهاز القلبي الرئوي.
يقوم برنامج "حركة الأجسام في بيئات الجاذبية المنخفضة" (MoLo) بمحاكاة الجاذبية القمرية على الأرض لدراسة كيفية تكيف أجسام البشر، ويقوم فريق من خبراء طب الفضاء في مركز رواد الفضاء الأوروبي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في مدينة كولونيا بألمانيا بدراسة كيف يمكن للقفز على سطح القمر المساعدة في الحفاظ على العظام والعضلات الصحية وحتى تعزيزها.
يشرح نولان هيرسنز، الباحث الحاصل على شهادة الدكتوراه وقائد المشروع: "نريد توليد وتوسيع المعرفة حول كيفية تفاعل وتكيف الجسم البشري مع النقص في الجاذبية لإعداد رواد الفضاء للمهام المستقبلية في استكشاف الكواكب".
ولكن كيف يمكن محاكاة الجاذبية المنخفضة على الأرض؟ يتألف البرنامج من عدة مراحل، بدءاً من تجهيز مدخنة تهوية في مرفق وكالة الفضاء الأوروبية "الحركة على كواكب أخرى" في ميلانو، إيطاليا. تم تجهيز عمود بارتفاع 17 مترًا بحبل بانجي، مما يسمح للشخص بالقفز العمودي بارتفاع 6 أمتار في جاذبية القمر المحاكاة، ويتيح للفريق دراسة الحركة والعلوم الحيوية المتعلقة بها.
تتضمن المرحلة الثانية رحلة طيران متعرجة، وهي مناورة طيران خاصة تحاكي الجاذبية على سطح القمر والمريخ، مما يسمح للفريق بدراسة تأثير النقص في الجاذبية على التوازن البشري.
يوضح توبياس ويبر، مهندس عمليات العلوم والمشرف المشارك: "بالمقارنة مع تمارين القفز في ميلانو، فإن رحلة "هيبو-جي" تؤثر على جميع أجزاء الجسم بالتساوي، كما يحدث على سطح القمر. وسنقوم بإجراء اختبارات توازن موحدة لدراسة الفروق في الأنظمة الفيزيولوجية التي تساعدنا على الحفاظ على التوازن".
إذا كشفت الدراسة أن التوازن يتأثر بمستويات الجاذبية المنخفضة، فإن النتائج ستساعد في تحديد الإجراءات الوقائية التي تهدف إلى منع السقوط ومشاكل التوازن على الأرضية القمرية، وفيما بعد على الأرضية المريخية.
في خطوة مستقبلية، سيختبر الباحثون ما إذا كان بإمكان القفز مع حمل منخفض على متن محطة الفضاء الدولية، كوسيلة قد تعزز نمو العظام والعضلات.
يقول توبياس: "العظام حساسة جداً للقوى الميكانيكية، وعلى الأرض نتولى توليد هذه القوى من خلال المشي كل يوم، الأمر الذي يكفي للحفاظ على سلامة عظامنا وعضلاتنا. ولكن في الجاذبية المنخفضة، تختفي كل هذه القوى، ولا نعرف بعد ما إذا كانت جاذبية القمر كافية للحفاظ على سلامة الجهاز العظمي والعضلي."
ويضيف: "القفز هو تمرين فعال وبسيط جداً يمكن أن يساعد رواد الفضاء على التخفيف أو حتى منع التدهور الفسيولوجي. وربما يحتاج أفراد الطاقم إلى فترات نقاهة أقصر بعد إنهاء مهامهم من تلك التي تتعرض للجاذبية المنخفضة الدائمة."
ووفقاً للفريق، من المحتمل أن لا يكون هناك حاجة لأي أجهزة تمرين إضافية إذا عاش رواد الفضاء في مستعمرة على سطح القمر. يقول ديفيد جرين، المشرف المشارك من المركز الأوروبي لرواد الفضاء وكلية كينغز كوليج لندن: "على عكس المحطة الفضائية، يمكن لرواد الفضاء المشي على سطح القمر، وبالتالي يمارسون بعض التمارين من خلال الأنشطة خارج العربة الفضائية أو المهام اليومية. وبالتالي، يمكن للقفز المضبوط أن يكون وسيلة لتكملة هذه الأنشطة الخارج العربة دون الحاجة إلى أي معدات إضافية."
ومن أجل إجراء مزيد من الاختبارات على الأرض، يشارك الفريق في تطوير نظام لتخفيف الحمولة لمنشأة "ESA-DLR LUNA"، والذي يشمل نظام تعليق عمودي يمكنه تعليق شخصين في وقت واحد لمحاكاة السير على سطح القمر.
يقول توبياس: "هذا المجال قليل الاستكشاف ويعد علماً تطبيقياً بحق. أي شيء نكتشفه سيكون له تأثير كبير على تطور تدبيرات مكافحة التدهور الفسيولوجي والمستعمرات الفضائية. وأنا متحمس للغاية لرؤية الانتقال من المدار المنخفض لاستكشاف الفضاء العميق."
يضيف ديفيد: "هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به من أجل الاستعداد للعيش على سطح القمر لفترات طويلة- ولا يقل أهمية منها هي مسألة الإرجونوميا في الحياة على القمر. فقد دخل طواقم أبولو في وخرجوا من المركبة الهبوطية بأزيائهم الفضائية. المشي والحركة في جاذبية القمر بدون زي فضاء هو شيء لم يقم به الإنسان من قبل، ولذلك فنحن لا نعرف ما هي الحركات الطبيعية في الجاذبية القمرية التي يجب الأخذ بها في الاعتبار، وهذا أمر حاسم لتحسين أزياء الخروج الفضائية وتحديد ارتفاعات السقف والتخزين، وحتى الأشياء مثل الدرج القمري للوقت الذي نبدأ فيه ببناء 'منازل' على سطح القمر."
وبخلفية في العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل العصبي، يشعر نولان بالحماس لرؤية الفوائد التي يمكن الاستفادة منها في الطب الأرضي: "ستكون نتائج الدراسات لها تأثير مباشر على رحلات الفضاء، ويمكن ترجمة أي تقدم نحققه في دفع الجنس البشري في الفضاء إلى المجال الطبي على الأرض، مثل استخدام نظم تخفيف الحمولة الجسدية لعمليات إعادة التأهيل بعد السكتة الدماغية أو الجراحة."
Commentaires